+----
-بسم الله الرحمن الرحيم
ثلاثون درساً للصائمين
هديه صلى الله عليه وسلم في الصوم
* الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد ..
-
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: ( وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في
شهر رمضان الإكثارُ من أنواع العبادات ، فكان جبريل عليه الصلاة والسلام
يدارسه القرآن الكريم في رمضان ، وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من
الريح المرسله ، وكان أجود الناس ، وأجود ما يكون في رمضان (متفق عليه) ،
يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن الكريم ، والصلاة والذكر
والاعتكاف.
- وكان يخصُّ رمضان من العبادة بما لا يخصُّ غيره به من
الشهور ، حتى إنه كان ليواصل فيه أحياناً ليوفر ساعات ليله ونهاره على
العبادة ، وكان ينهى أصحابه عن الوصول ، فيقول له: إنك تواصل ، فيقول: (
لستُ كهيئتكم ، إني أبيت عند ربي يُطعمني ويسقيني ) رواه البخاري ومسلم.
-
والله عز وجل رسوله عند هذا الوصال بلطائف المعارف ، ودر الحكم وفيض أنوار
الرسالة ، لا أنه طعام وشراب حقيقة ، إذ لو كان كذلك لما كان عليه الصلاة
والسلام صائماً.
- فلما قرّت عينه عليه الصلاة والسلام بمعبوده ،
وانشرح صدره بمقصوده وتنعم باله بذكر مولاه ، وصلح حاله بالقرب مِن ربّه
نسي الطعام والشراب كما قال الأول:
- والرسول صلى الله عليه وسلم
أذكر الذاكرين وأعبدُ العابدين ، جعل شهر رمضان موسماً للعبادة ، وزمنا
للذكر والتلاوة. ليله صلى الله عليه وسلم قيام يناجي مولاه ، ويضرع إلى
ربه يسأله العون والسداد والفتح الرشاد، يقرأ بالسور الطوال ، ويطيل
الركوع والسجود ، شأن النهم الذي لا يشبع من العبادة ، جعل من قيامه الليل
زادا وعتادا ، وقوة وطاقة. قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ﴾
المزمل:1. ﴿ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً ﴾ المزمل:2. وقال تعالى: ﴿
وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ
رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً ﴾ الاسراء:79.
- ونهاره عليه الصلاة والسلام دعوة وجهاد ونصح وتربية ووعظ وفتيا.
* وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن لا يدخل في صوم رمضان إلا برؤية محققة أو بشهادة شاهد واحد ( رواه أبو داود ).
*
وكان عليه الصلاة والسلام يحث على السحور ، فقد صح عنه أنه قال: ( تسحروا
فان في السحور بركة ) رواه ابن ماجه. لان وقت السحور مبارك ، إذ هو في
الثلث الأخير من الليل وقت النزول الإلهي ، ووقت الاستغفار. قال تعالى: ﴿
وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ الذاريات:18. وقال تعالى: ﴿
وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ﴾ آل عمران: من الآية17.
- ثم إن السحور عون على الصيام والعبادة ، ثم هو صرف للنعمة في عبادة المنعم سبحانه وتعالى.
*
وكان عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه أمرا وفعلا يُعجل الإفطار بعد غروب
الشمس (رواه البخاري ومسلم ) ، فيفطر على رطب أو تمر أو ماء(رواه أبو داود
والترمذي ) لان خالي المعدة أوفق شئ له الحلاوة ، فكان في الرطب والتمر ما
يوافق الصائم الجائع.
* وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( إن
للصائم عند فطره دعوة ما ترد ) رواه ابن ماجه. فكان عليه الصلاة والسلام
بخيري الدنيا والآخرة.
* وكان يفطر صلى الله عليه وسلم قبل أن يصلي المغرب (رواه أحمد والترمذي وأبو داود).
- وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا اقبل الليل من ها هنا ، وأدبر من ها هنا فقد أفطر الصائم ) رواه البخاري ومسلم.
* وسافر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصام وأفطر ، وخيروا الصحابة في الأمرين(متفق عليه).
* وكان يأمرهم بالفطر إذا دنوا من عدوهم ليتقووا على قتاله (رواه مسلم وأبو داود).
*
وخرج صلى الله عليه وسلم لبعض غزواته وسراياه في رمضان بل كانت بدر الكبرى
في رمضان ، فنصره الله نصرا ما سمع العالم بمثله ، وأفطر صلى الله عليه
وسلم في غزوتين من غزواته ، في رمضان , كما أخبر بذلك عمر رضي الله عنه
عند الترمذي وأحمد ، ولم يحدد صلى الله عليه وسلم تقدير المسافة التي يفطر
فيها الصائم بحد ولا صح عنده في ذلك شيء.
* وكان من هديه صلى الله
عليه وسلم أن يدركه الفجر وهو جنب من أهله ، فيغتسل بعد الفجر ويصوم (رواه
البخاري ومسلم) وكان يقبل بعض أزواجه وهو صائم في رمضان (متفق عليه)، وشبه
قبلة الصائم بالمضمضة بالماء (أخرجه أبو داود).
* وكان من هديه صلى
الله عليه وسلم إسقاط القضاء عمن أكل وشرب ناسيا ، وأن الله سبحانه هو
الذي أطعمه وسقاه (أخرجه الجماعة إلا النسائي).
- والذي صح عنه عليه
الصلاة والسلام: ( أن الذي يفطر الصائم: الأكل والشرب والحجامة والقيء )
أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي. والقرآن الكريم دل على أن الجماع مفطر
كالأكل والشرب.
* واعتكف عليه الصلاة والسلام في العشر الأواخر في
رمضان (متفق عليه). فجمع قلبه مع الله تعالى ، وفرغ باله من هموم الدنيا ،
وسرح عين قلبه في ملكوت السموات والأرض ، وقلل من التقائه بالناس ، فأكثر
من التبتل والابتهال ودعاء ذي الجلال والإكرام. وعكف قلبه على مدارسة
الأسماء والصفات ، وعلى مطالعة الآيات البينات ، والتفكر في مخلوقات رب
الأرض والسموات ، فلا اله إلا الله كم من معرفة وحصلت له ، وكم من نور ظهر
له ، وكم من حقيقة ظفر بها ؟ فهو اعلم الناس بالله ، وأخوف الناس من الله
، وأتقى الناس لله ، وأبلغ الناس توكلا على الله ، وأبذل الناس لنفسه في
ذات الله فعليه الصلاة والسلام ما تضوع مسك وفاح ، وما ترنم حمام وناح ،
وما شدا بلبل وصاح.
وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.